الديموقراطية والفساد والدول العربية
قرأت خبراً له مدلولات مضحكة ولكنها حزينة، وكما يقول العرب في أمثالهم: شر البلية ما يضحك. الخبر مؤداه: أن مؤتمراً أقامه الأوربيون في روما بإيطاليا، يهدف إلى دعم لبنان مالياً لتخليصه من ديونه، البالغة نحو 90 مليار دولار؛ المضحك أن وزراء الدول الأوربيين المشاركين في المؤتمر جاؤوا إلى روما من بلدانهم في طائرات الخطوط التجارية، في حين أن وزراء من يطلبون (الإغاثة) جاؤوا على متن طائراتهم الخاصة. هذه القصة تلخص مشكلة لبنان، واستغلال سياسييها لمناصبهم، حتى أثروا ليأتوا دونما خجل يطلبون من الأوربيين حل أزمتهم، التي كانوا أهم المساهمين في تكونها وترسيخها، من خلال الإثراء غير المشروع. ولبنان -كما يقول قادتها ويفاخرون- دولة ديمقراطية، يصل قياديوها إلى مناصبهم من خلال صناديق الانتخابات، غير أن هذه الانتخابات والحريات وكل المظاهر الديمقراطية التي يمارسونها في لبنان، ليست سوى تذكرة دخول للنادي السياسي هناك، للوصول إلى الغنائم وتقاسمها مع من يمثلون الطوائف في لبنان، وليس أبعد من ذلك.
العراق تحول إلى الديمقراطية على يد الأمريكيين منذ 2003م، ومنذ ذلك الحين والفساد واقتسام الغنائم والثراء محصور بمن يفوزون في الانتخابات، ومن يتولون مناصب في الحكومة، وكذلك قادة الميليشيات الإرهابية، ولعل انتفاضة العراقيين الأخيرة هذه الأيام، نتيجة لتدني الخدمات وأهمها الماء والكهرباء، إضافة إلى الجوع والفقر والمرض، كانت الباعث الأول لهذه الاضطرابات؛ والسؤال الذي يفرضه السياق هنا: لماذا لم تحقق لهم الديمقراطية، والاحتكام إلى صناديق الانتخابات، الحد الأدنى من الخدمات التي تجدها متوفرة في أي دولة من دول أدغال إفريقيا، رغم أن العراق فيه من الثروات النفطية وغير النفطية ما يجعله فعلاً لا قولاً من أغنى الدول العربية؟ ليعود نفس السؤال: لماذا لم تحقق الديمقراطية والاحتكام إلى صناديق الانتخابات ما كان -على الأقل- متاحًا في زمن صدام حسين؟
لذلك أقول وأكرر إن الديمقراطية في ظل تفشي ثقافة الطائفية والمذهبية وترسخها في ثقافة الدول العربية، محكوم عليها بالفشل منذ البداية، والأدلة التي ذكرت آنفا تثبت بالتجربة، وليس بالتنظير، صحة ما أقول.
إلى اللقاء
نقلا عن الجزيرة